Saturday, August 22, 2009

بكاء على أطلال

القلعة العباسية ، بغداد - العراق


كان حزنا ، ليس حزنا غامرا او قابعا ، فقد أجهز فرط التكرار على حدة سكينه و همشت مسافة الجغرافيا كثيرا من هيبته ، أتدري ما نمط ذلك الحزن؟ يتسرب حينما لا تشغل بالك بشيء فتتذاكر ما وقع اليوم ولماذا تحس بإضطراب في الفؤاد ، ينتظرك لتتذكره فيصرعك فجأة ثم يتلاشى فور إهتمامك بأمور دنياك.

وليس ببالي اليوم حديث المحلل السياسي الذي يحرص على إستقصاء الأسباب والأطراف و الدوافع ببرود مهني و يحرص على كتم عواطفه كي لا تنال شيئا من حيادية الخبر ، بل سأتفاعل مع الطامة بوجدان الشاعر المنفعل المبالغ ، أهوج مقتحم دون إعتبار للتدقيق او خوف من تعميم. لن ألقي باللائمة على الزمان أو المغول أو العلوج أو البشر أو صدام، فهؤلاء المتغيرات و الثابت هي المدينة الأسطورية بجمالها و تعطشها للدماء.

حزن كان يفترض به أن يأتي منذ زمن بعيد حتى خلنا أن حاكمها قد إستتب الأمن فعلا حينما غاب خبر الناعي كل تلك المدة ، هو حزن قديم إذن بكل معنى الكلمة، ضيف ثقيل - لكنه مرام ، فهو ما يؤكد للبشر الأناني أن قرار المغادرة كان صائبا ، ولنا حديث آخر عن سلبيات بغداد نقلته لنا ألسنة المارين بها سنتركه ليوم آخر.

لقد تركت بغداد منذ ثلاث سنوات خلت و هي مدة كفيلة بإن تبهت كل علاقة فعلية لي بها ، وتطفئ نار الشوق و الشموع التي أشعلتها لأولئك الذين تركتهم مقطعي الأشلاء فيها ، صور الجامعة التي كانت تعصرني حنينا أول أيامي هنا ، ظانا أن أفضل العمر قد راح و خلا ، مدبجا ذلك بشكل نصيحة ألتذ باسدائها: "أحسن أيام عمرك الجامعة"، لم تعد تهزني كالسابق - لقد خلقت حياة جديدة هنا و تعرفت على أصدقاء جدد ووجدت فيهم خير أنس و صحبة ، بل زد على ذلك إني أطالع إنعكاس صورتي أيام بغداد فأطاطئ محرجا من الهندام و الشكل و التصرفات المرتبطة بهذين طبعا، كانت القيثارة لا تفارقني فإذا بها اليوم مسبحة !!!! أين أنت يا جيمس هيتفيلد لترى ما صنع الله بوليك؟ إنه يسمع يوسف عمر.

بعد طيف الحزن يأتي الألم ، ثم الغضب ، غضب يطال أشياءً كثر ، لقد أدرت الفكر في هذه كثيرا : هل كان لأحداث بغداد أثر في تكوين ذلك الجمر الرابض في أخمص الصدر؟ كما أبهت الزمن صورة بغداد التي عشتها ، بدأ النسيان يركب صورة لبغداد أدخلها الوعي العام ، صورة من لم ير بغداد على حقيقتها او قد نسيها ، فإنتقل جمال نسيانه إليّ :

تراءت لي تلك الصورة الجميلة المغسولة بشهد الفردوس عن عاصم العالم و دار السلام ، حيث يجلس الخليفة محاطا بألف جارية ترقص (مطلب ذكوري أعتذر عنه) بين فلسفة أهل الكلام و ترنم أهل الغناء ، وعن إنفتاحها و جمالها و أسواقها و كوزموبوليتها، إستحضرت ذلك السحر الإسطوري الذي بني عن إحترام جديد للتراث و التاريخ أسطره بعد المكان و سهولة النسيان -- ثم كاسرتها بعنف بالصورة النقيضة القبيحة ، مقتل إصدقائي الأربعة ، إنعدام الخدمات مضافا الى غضب الله المتمثل بالعواصف الترابية و الحر الشديد ، مجازر الطائفتين أيام بني بويه المكررة اليوم بشكل يكاد يكون مماثلا الى درجة سخيفة ، حروب الشاه الإيراني و السلطان العثماني المتتابعة ، مجازر صدام حسين البشعة المختبئة خلف وعد بإعادة بغداد الى عصور عظمتها ، تجربتي الشخصية فيها كمواطن كاعدٍ و ساكـــتٍ لا ضرر مباشر عليه - ولكن ترعرع بلا ذنب منه في بلد معزول منزو وسط أناس تغلب عليهم الخشونة و مقهورين متخلفين حيث إن شظف العيش قد أغناهم عن طلب أي شيء آخر ، قال الشافعي :
لا يدرك الحكمة من عمره * يكدح في مصلحة الأهل
ولا ينال العلم الا فــتى * خال من الأفكار و الشغل
لو إن لقــمان الحكيم الذي * سار به الركبان بالفضل
بلي بفقر و عيال لما * فرق بين التبن و البقل

وهكذا تراءت لي صورة جديدة لبغداد ، صورة أمرأة فائقة الحسن و كأن الــقُــدُوس قد خصص يوما ثامنا لها لم يذكره بقصة الخلق غيرة على حسنها ، إمرأة يطلبها الجميع ولكنها لا تريد سوى قهرهم جميعا بذلك الحب. شهية متمانعة تتظاهر بالستر و العفة ولكنها أرض سادية متوحشة فيها الكثير من العهر لا ترضى إلا بشرب الدماء و لا ترتوي منه و إن كان فيها دجلة العذب منذ الأزل. خلطت كل ذلك عساني أوفق في التعبير عن صعوبة حب بغداد ، فكانت هذه الأبيات المختلة الوزن (قيد الضبط) :

قال الراوية إبن عقوب: بعد إفناء بضع ساعات زمن نضارب الطابات على طاولة ( بليارد) مررنا بأبي اللازورد عباس هوازن يوم أربعاء بغداد ، فأدخلنا الدار واجما ثم أشار الى مرئيه ( تلفزيون) ثم جلس مقطبا لا يتكلم. و ما إن مضى بضع الساعة حتى قال :

قالوا دار السلام قلتُ واعجبا أما شهدتم كوم الجماجِمَا
أتاها النـــهر الزلال مسترجيا وتأبى إلا عصارة آدَمـَــــا
(أي إن دجلة عندها و لا تقبل إلا بعصير بني آدم : الدماء)
أبغداد كم قمرا غاب بإرضك أفطبعك الساديّ من أقدِمَــا
فمـــاللولاة يطالبون بوصلك وكلٌ تولى سحلا أعدِمَا
أقر بإنك البدر كما وصفوا وللبدر وجه بلا نور أعتَمَا
(للقمر جانب مظلم لا تطلع عليه الشمس أبدا)
ألمن يذلك تفرجينها ساقا؟ ولمن يحبك تندعين بالعَمَا ؟
حتى رفيعك إن علا علانيا لا شك خزيٌ بسرِ كاتِمَا
إن يك هارون نبي مجدك موسى أخاه بالسجن قد سُممِا
(إشارة الى هارون الرشيد و موسى الكاظم مستغلا تطابق إسميهما مع النبيين)
يظفرك التاريخ جدائل عزنا شموخ رايات و رفعة مكرِمَا
وينحت ألف نصب ويقسم باللات و العز أن أنت العاصِمَا
فأنظر ثناياه لعلك باصر نوح الثكالى و أفــجُــعَ مؤلِمَا
إن يذبح الشاه معظم معشر يسلخ السلطان من تبقى جاثِمَا
سؤددك الصنم توارت تحته حفاة عراة يبس المعاصِمَا
يخشون النور جهلا بعنصر وقد ألفوا الظلامة و المُظلِمَا
كل ما لهم من بيارق عزه حشو الكلام و رهبة صارِمَا
هوى هبل فتراطموا سهوة خوفا و جُبلا و جهلا عارِمَا
تنصب كرخ و الرصافة رافض ومسيحُ لحقت يهودَ تشرذًمَا
فيا ليتني كنت بدوا راحلا لا يبالي إن لسفر أٌرغِمَا
ولا أقدس شبر أرض أبدا ولا أرضى بحبك مـعـدَمَا
لاخير بقدس مستبدة تأكل أولادها و تشرب الدِمَا

Sunday, August 16, 2009

اغاني المجلة الزراعية

إخواننا الفلاحين، إخواننا المزارعين...
لنا نحن، أبناء العراق في زمن الحروب الحاسمة، هواية خاصة و هي درخ أغاني برنامج المجلة الزراعية، أغان حفظناها عن ظهر قلب لا لشيء بل لإنها عادة ما تقطع علينا بث فترة برامج الأطفال المقدسة، و لن أغفر لهم أبدا حقدي الأسود عندما كطعوا الحلقة التي يقطع فيها غوريلا دانتوس يد كريندايزرـ تلك الحلقة التي هزّت أبناء الأمة العربية جمعاء وغيرت حياتهم للأبد، لكي يتحفوننا بأخر أخبار جويريد و حقل الشلغم.

الأغنية الأولى هي الأشهر ما بين مجتمع زعاطيط الثمانينات و التسعينات، في الحقيقة لا أدري لماذا، قد تكون الأكثر بثا، ولكني أخال السبب كونها ذات طابع كاريكاتيري بعض الشيء، أذكر أنني بدأت اتندر عليها و لم يتجاوز عمري السبع سنوات - الأغنية محاكة بطريقة الإستفهام والإجابة الموسيقية و مربط الفرس هو كونها تحتوي على جعير جوابي محبب للنفس و يعبر صادقا عن سخرية الإنتقال من عالم الروبوتات المذهلة و الجنون الياباني المعهود بخبصته و مبالغاته إلى عالم المسحاة و الكرك البسيط .

سعدي البياتي - يا عشك الكاع (فورشير، يوتيوب)




يا عشك الكاع....عااااااااهاااااااااا
عزيزة الكاع....عااااااااااهااااااااا
يا عشك الكاع حب يسري بشرايين
عزيزة الكاع و الماي اللي يروي
سنابل و الزرع الأخضر
بيادر خير...ومخضر
***
أما الثانية، ففي الواقع إني قد تفأجات بكونها أغنية جميلة للغاية تعيد للريّف إحترامه السليب من أهالي المدن الذي يعيرون المزارعين بأبو بيتنجانة - أسمعها بحدود عشرين مرة باليوم. بساطتها الكلامية معززة بصوت ريّفي تتوسد التلحين الذكيّ المصاغ بشكل مد و جزر -- الإرتفاع البسيط في السلم الموسيقي عند نقطة (لكيت الريف بستاني) من بداية السرد القصصي (أخذني الشوق بجناحه) يعطي إنطباعا فعلا بإن الراوي قد "لكه" شيئا ما، شيئا إيجابيا.





أخذني الشوق بجناحه * وإجيت بروح مرتاحه
لكيت الريف بستاني * معاني الفرح ألواني
لكيت السمرة فلاحة * لكيت الحلوة فلاحة
يا كاعي الخضرة عذريني * بكل الشوق أحضنيني
وعد عيناج يا عيني * وعد عيناج يا عيني
إلج كل التعب راحة * إلج كل التعب راحة
حبيبي الريف ربّاني * وفية و مانسى خِلاني
هلي و ديرتي وخواني * هلي و ديرتي و خواني
يا شدة ورد فوّاحة * يا حبة هيّل فوّاحة


Thursday, August 13, 2009

Back To Blogging....في رثاء مايكل جاكسون - 2


I'm going to be blogging again on a regular basis soon, most of my English blogs will be brief and link-oriented though, as I've seemed to have taken quite a liking to writing in Arabic language. Most of you English guys aren't that very much interested in Iraq anyways.
***


قال الراوية إبن عقوب: بينما نحن جلوس مطأطاين في مجلس العزاء الذي أقامه مرقص "الأشباح" بإستشهاد أبي ميكة اللوسانجلسي، قام عباس هوازن فهتف لا يبالي بأبوذية مدورة:

عَالْوَجّنَة يِشُوبِحْ دَمِعْ شْهَالحَالْ ما أَكْتَرَه

يـــَــمايْكِلْ مِنْ نَهْرَكْ كِلْمَنْ سَاقْيَة إِكْتَـرَى

المُحِبْ يِصْرَخّ يا رَبْ فِجْعنَا نِفْاقِ الدَكْتَرَة

بالوريد السـم و يكول آنه خطيـــــــــــــــة

شرح الأبوذية في أخمص التدوينة



كذا و بلا أي مقدمات او تسلسل منطقي قرر مايكل جاكسون أن يموت فجأة، وأسرّ الإعلام الخطب العظيم إلينا في ليل جَِن، فتلاطمت شياطين الإنس قبل الجن، وإستعظمت شامها و عراقها و إسترجعت عربها و عجمها و ناحت هندها و يابانها و هاجت و ماجت و غلت حتى عجزت و أضجرت، ثم تراشقت الأيام أخبارا عن الأمور المتعلقة بالدفن و جهازه وعلى أي دين كان ذو القفاز بحيازة و السم و القتل و القميص و الحقن ما الى ذلك من حقائر الأمور التي تشير الى عظم منزلة الميت حتى إنشغلت الأحياء بتوافهه وسفاسفه، أما معظمنا فقد إكتفى بتحميّل أغنياته مراجعين ذكريات تخالط حنين إنبعاثها بزوال صاحبها، ثم عدنا بعد ذلك كما كنا على أرائك متكئين وفي الروتين متمرسين متناسين.

و قد مرّت على رحى الدنيا خطوب غير هذه فلم أكتب عنها شيئا هنا رغم فداحتها، لكسل جبلت عليه، ومشقة أجدها في تشكيل عجين الفكر بكلام مفهوم. غير إن الحديث عن أبي ميكة شأن آخر أثرنا به أن نعاود إستفتاح چمبرنا المتواضع هذا، عسى ولعل الله يرزقنا الشفاعة، فيريحنا من هول الضغطة و اليراعة، فنغتدي مع الرسول ساعة، ثم نضاجع حور العين ببشاعة.

فما بين أهل الغناء الذين إستنجدتُ بهم هروبا من وحشة العيش و ملاذا أطمئن بهم لا أرى أحدهم قد نازع أبا ميكة على ذروة سنامه، و إنك لترى الناس في مجالسه وحفلاته تتساقط صرعى كالحمر الوحشية و تصرخ أجمعها بهستيرية خضوع نشوة بعبادتها لذلك المعبود قل أن تجد نظيرها عند غيره ولو وجد لقصر على نيف ضئيل من الحاضرين. فألم تعجب لذلك يوما؟

الشكل المشكل.

وقد كانت ردة فعلي أول ما سمعت بخبر هلاكه : يا رعاك الله أويموت مثل هذا؟ ولم أقل تلك المقولة لعظم هيبته عندي، فقد مر عليَ زمان كثير تقلبت فيه بين أهل الغناء و مذاهبه حتى نسيت أولهم لكثرة أخرهم، ولعلك لن تفهم سبب دهشتي هذه فما مايكل عندك إلا مطرب من المطربين وإن بلغ أصقاع أهل الأسكيمو. فدعني أستسهب في الموضوع.


كدأب أولئك العظماء في صنوف الفنون، فقد كان – تجاوزه الله وغنىّ عليه المليك - غريب الأطوار في حياته العامة، فلو رأيته عند شبابه و هو يتلعثم بصوته الهادئ بخجل و يقهقهه باستحياء كالعذراء في خدرها لما زدت على وصمه بالخنث ولرأيت فيه أمرا غير سويّ ، فما بالك به في أواسط عمره و قد بيّض أديمه و إتخذ الغلمة نديمه، وإذا به يشبه أخته لاتويا جاكسون ( و نحن نورد صورة هذه الفاتنة في بحثنا العلمي هنا للإطلاع ليس إلا.

ما تنتظر العامة من الناس من أمر رجل كهذا إلا الإشمئزاز ثم تحاول تخريجه و تفسيره على ما إعتادت من شذوذ الحياة، فتنسب اليه التهم السهلة المنقادة كاللواط في من لم ينبت لهم شعر الأباط و تلمسهم من مخرج الضراط، فتقتات الرعاع على ذلك و تجتني، وكل ذلك كذب و مين عند العارفين الباصرين طبعا.

متوكلين بالقوي وبمنطق اهل الكلام في الإستدلال نقولها : كلا، ما كان أبو باريس طنطة ولا فرخا، وذلك أمر يعرفه كل من راه يعتلي الخشبة فيفعل غريب الرقص و مذهله، رقصٌ لا أثر فيه لتمايل الخنث و غنج القيان، بل هو متفجر بقوته، مليء الإرادة، مضطرب برغبة السيطرة و التملّك، سريع التعاقب، قاهر مفعم الجبروت ، ما مثله شيء في غرابة نحله و دقيق نقلاته وتنظر مايكل فَتراه الأنسب للمهمة بجسده المنتاسق الرشيق فلا يستحي من أن يتبوا موقع سيد الأقوام ما دام اللحن يضرب وكأنه خلق لهذا فتعجب من إنك اتهمته يوما بالضعف والأنوثة، ذلك الوجه المهيمن المفعّم بالإحاسيس العصبية المتشنجة، المفعم بنشوة من وجد ضالته فأفرط بثقته بنفسه و قد

تفسر النشوة على إنها ضرب من ضروب الإثارة الجنسية، وهذا أمر لا يعيب المغني او المطرب أن يكون فيه، و رقص أبي باريس و كلماته و موضوعاته غالبا ما تتطرق الى الجنس، ولكنها مجرد استطراد فرضته الصنعة، فالجنس عنده لا معنى له، إذ لا سطوة جنسية لديه فلا هو رجل كالرجال و لا هو خنثى كالنساء و هما ربيبا الجنس و لازميه، إنها الموسيقى تلك الرائعة التي جعلته يستثار حتى إنسلخ من قيود الإنسانية فصار ذلك الكائن العجيب الجذاب – كائن لاجنسي فضائي غريب في كل شيء. وهنا قد تفهمني عندما أستعظم موت ذلك المخلوق، فقد بدا و كأنه خرج عن جنس البشر، ولا أتحدث ها هنا عن وجوده الهزيل كبشر في حياته اليومية – بل المخلوق الذي وصفتا لك وهو يسود في مسرحه، وهو بشكل عام كان لديه إحساس أي طاغية بالخلود و العظمة كما أحسبك لحظت في ضخامة إنتاجاته و غلبة المؤثرات المبتكرة في تصويراته و عظيم حشوده (أنظر هذا الجيش لا تحسبه إلا لهتلر أو ستالين) و تلحين أغنياته الفخم، و قد تفهمني أيضا عندما أبوح لك باعتقادي أن شكل مايكل، و خاصة ذلك الذي كان عليه في بداية العقد التسعيني من ذلك القرن، يضفي سحرا الى الساحر، وطرفة الى الغريب – وأجزم إنك لو قلبت النظر في وجهه المبالغ في حدة تقاطيعه وهندسياتها كأنه شخصية قصة مصورة، ثم إرتددت ببصرك الى أي شخص عادي لشعرت بالملل و الرتابة، فمثل ذلك كراحة العين و لذتها بالرسوم المتحركة كخروج عن رتابة الدنيا (أستثني من ذلك شكله في سنينه الأخيرة، حيث أخذت البشاعة منها مأخذا لا يقبل عذرا). و قد أسلفت القول في معنى أن مايكل جاكسون هذا لا معنى لوجوده خارج المسرح، فما هو خارجه إلا بكائن مقرف الشكل غريب التصرفات لا يفهم الحياة إلا كطفل مترف، ولا أحسبني لو تمكنت منه ماشيا في الشارع إلا منهالا عليه بيد تصفع و فم يهزأ وأنا عن ذلك راض لولا تمسكي بمبدأ كل له شأن يغنيه.

موسيقى

وإستمعت الى اغنياته فكانت كما عهدتها، خارجة من رحم الموتاون طبعا ولكن جملها الموسيقية مستقيمة مستدقة في أفضل ما تكون عليه أغاني البوب لأهل الغرب، وكم أطربت لشنف تلك الألحان المنتظمة الهندسة بمنطقية إرسطوطالية ولكني اليوم أعافها ضجرا فلا صبر لي على لحن ليس فيه عشوائية الشرق و إحساسه الذي يتمثل بإختراع إسمه الربع تون. وما تعتقده أنت وأنا أن أي رجل ناجح تجاريا لا بد أن يغني عن حب البلهاء و عصافير تطير في السماء ولكن هنا امر غريب جدا : كثيرا ما يعول على مفاهيم إستغربت ان يطرب عليها الكثير من الناس، طبعا هناك مواضيع تتوقع لنجم عالمي أن يتطرق اليها كحب السلام و العالم و الأرض و ما الى ذلك من مواضيع مملة تطرح في منظمات المجتمع المدني ولكنه غالبا ما يستعمل الوحوش و الخطر و الرعب في ألحانه المتوترة العصبية، بل ان أشهر أغنياته ك"المرعب بإثارة" و "إضرب عن ذلك" و "بلية جن" و "سيء" و "خطير" و "شيطان السرعة" و "المجرم السلس" و "دم على أرض المرقص" جميعها تشترك في كونها تحمل إحساس ذلك الخطر الغامض ، وعندما يؤديها – أزعج الله أعدائه - فإنه لا يقول بل يبصق الكلام بصقا، والنظر في أسمائها وحده كفاية للجاهل. فهل تجد الناس لذة في الخوف و معاني الشر الى ذلك الحد؟ إنه ذوق لا يفترض به أن يكون ذوق العوام في عرفنا ، فإذا وعينا ذلك نكون قد علمنا أن اي حديث عن الخير و السلام لذاتهما مضجر ما دام غير مقرون بوجود الشر على أي وجه و رمز و للأخير لذة مطلوبة عند بني أبي قابيل لا سيما لو كان بلا ضرر كوجوده في أغنية أو فلم ، فضلا عن المتأخر من أغانيه و الذي ينثر فيها جميعا غضبا جما بدون مواراة على الناس والمصورين و حتى محامي الإدعاء عند محاكمته بالتحرش السكسي.

دعاء الإختتام

السلام على الرجل و ليس برجل ، والخنثى و ليس بخنثى ، السلام على الجهبذ المتلاون، السلام على المعذب بالكاميرات ، والمضطرم بأوار دموع المعجبات ، السلام على المتأبدة وحدته ، المسجون بطفولته ، السلام على الرابض ينتظر حتفه المتناقص أنفه ، المرتقص فلا يبالي ما قبله و ما خلفه. السلام على المنجب بلا نكاح، و المجدب بلا سفاح ، السلام عليك يا أبا باريس يا شهير آل جاكسون، السلام عليك و على الأرواح التي إستشفت كينونة غنائك ، و خلبت بدرة أدائك ، اللهم إلعن قيء الإعلام و فحيح ذوات الدرهم و الدينار ، و مُدع زور يبتغي متاع سنت و دولار ، اللهم إلعن جوزيف ابا مايكل عدد ما ضربه و شتمه ، وخدش روحه و آلمه ، اللهم إلعن كونراد موراي. آمين، آمين، و سحائب رحمتك غيث على من أنشا هذا المكان، وأحفظ ملك البلاد [أدخل إسم طاغيتكم هنا] لما تحبه و ترضاه.

شرح نص الأبوذية:

المستهل شطر حزين، و يقول بلغة أهل الجنوب أن الدمع ينهال على وجنتي الخد فيا لسوء الحال، قال القردي: أكتره مصحفة من أكدره، وقال جابر: بل عنى "أكتره" بمعنى الكتر و هو الهم، وهذا قول رديء. الشطر الثاني يريد به "كرى" وليس "إكترى" وهو مشتق من قول عمر بن عبد العزيز: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض ، فترك الناس على نهر مورود ، فولي ذلك النهر بعده رجل فلم يستنقص منه شيئا ، ثم ولي ذلك النهر بعد ذلك الرجل رجل آخر ، فكرى منه ساقية ، ثم لم يزل الناس يكرون منه السواقي...اما الثالث و الرابع فهو يعرض لمسألة ما حقن به مايكل جاكسون قبيل موته ببضع ساعات من قبل طبيبه الشخصي كونراد موراي، وحسب مذهبنا فهو الذي قتله لعنة الله عليه، فلا بد لموت العظيم من مؤامرة، ولا بد لنا من خطب نخوض به و ننحب.



Sunday, August 02, 2009

في رثاء مايكل جاكسون


قال مولود إبن عقوبي: بينما نحن نذكر أخباره عليه السلام إحتصرعباس هوازن ثم أنشد مرتجزا بلسان جنوبي غير ذي عوج:

لأشخِّصْ هَمْ دِلِيّلِيْ و كَرّبِيْ لأعيّنه

ولو شِخَصْلي الدهر لأرِمْ سَهْمِيْ لَـعْيّنَه

دإلِحْقِيّ أبُو بَارِيّسْ، جَانِـيتْ يا لِعِيّنَة

مّمَدَدْ ما لِحَقْ حَفلِ اللَنْدَنِيــــــــــــــــة

شرح الأبوذية: قال إبن عقوبي: شطر المستهل بداية تفجيعية كما وردت عادة الأبوذيات ، فيقول إنه سيقوم الآن بكشف الأوراق و تشخيص ما يحزن القلب (الدليل) و سيعاين ذلك الكرب. الشطر الثاني نوع من التمرّد على ظلم الزمان و قساوة الحال و هو ما يرمز له بالأبوذيات عادة ب"الدهر" فيقول لو تجسد الدهر بصورة شخص بشري لرماه بسهم يوديه في عينه، قال سحتوت القردي: لغويا كان يجدر أن يقول (بعينه) ولكن قلبت الباء لاما للضرورة. وهذا الشطر مستلهم من مقتل إمام الشيعة العباس الذي رمته أهل العراق في كربلاء بسهم أصاب عينه و أيضا من بيت المتنبي : ولو برز الزمان إلي شخصا – لخضب شعر مفرقه حسامي. في الشطر الثالث ينتهي الشاعر من المقدمة و يبدأ في الدخول في الموضوع فيتعرض الشاعر الى المصيبة ذاتها فتراه يذكر جانيت جاكسون وهو إستحضار لرمز أخت المقدس و يشيع في الأبوذيات أن يتحدث الشاعر عن المصيبة من وجهة نظر قريب له (كالحديث عن مصيبة الحسين على لسان زينب عند فرقة الشيعة) لاعنا أياها بقسوة فهي مكروهة على مذهبنا أن تتلاحق أمر أبي باريس، وهي كنية الإمام مايكل جاكسون، قال سحتوت القردي: لا تلفظ ياء جانيت عند الإلقاء مراعاة الوزن. و ينتهي بالقفلة التي تصف حالة أبي باريس و كيف خر صريعا على مسافة عدة إيام من حفلات لندن المفترض إحياؤها فياللأسى و الحسرة، ولا يفوتك هنا الجناس اللطيف بين مفردتي (لو شخص) في الشطرين الأول و الثاني فكأن هذان الشطران يؤديان غرض الأبوذية في تطابق اللفظ و تنافر المعنى من كلا رأسيهما. بالإضافة الى الموسيقية في ذكر لفظة "باريس" و نظيرتها التقليدية "لندن" ولكن لأغراض مختلفة و بطريقة غير متوقعة.