Showing posts with label بغداد. Show all posts
Showing posts with label بغداد. Show all posts

Saturday, August 22, 2009

بكاء على أطلال

القلعة العباسية ، بغداد - العراق


كان حزنا ، ليس حزنا غامرا او قابعا ، فقد أجهز فرط التكرار على حدة سكينه و همشت مسافة الجغرافيا كثيرا من هيبته ، أتدري ما نمط ذلك الحزن؟ يتسرب حينما لا تشغل بالك بشيء فتتذاكر ما وقع اليوم ولماذا تحس بإضطراب في الفؤاد ، ينتظرك لتتذكره فيصرعك فجأة ثم يتلاشى فور إهتمامك بأمور دنياك.

وليس ببالي اليوم حديث المحلل السياسي الذي يحرص على إستقصاء الأسباب والأطراف و الدوافع ببرود مهني و يحرص على كتم عواطفه كي لا تنال شيئا من حيادية الخبر ، بل سأتفاعل مع الطامة بوجدان الشاعر المنفعل المبالغ ، أهوج مقتحم دون إعتبار للتدقيق او خوف من تعميم. لن ألقي باللائمة على الزمان أو المغول أو العلوج أو البشر أو صدام، فهؤلاء المتغيرات و الثابت هي المدينة الأسطورية بجمالها و تعطشها للدماء.

حزن كان يفترض به أن يأتي منذ زمن بعيد حتى خلنا أن حاكمها قد إستتب الأمن فعلا حينما غاب خبر الناعي كل تلك المدة ، هو حزن قديم إذن بكل معنى الكلمة، ضيف ثقيل - لكنه مرام ، فهو ما يؤكد للبشر الأناني أن قرار المغادرة كان صائبا ، ولنا حديث آخر عن سلبيات بغداد نقلته لنا ألسنة المارين بها سنتركه ليوم آخر.

لقد تركت بغداد منذ ثلاث سنوات خلت و هي مدة كفيلة بإن تبهت كل علاقة فعلية لي بها ، وتطفئ نار الشوق و الشموع التي أشعلتها لأولئك الذين تركتهم مقطعي الأشلاء فيها ، صور الجامعة التي كانت تعصرني حنينا أول أيامي هنا ، ظانا أن أفضل العمر قد راح و خلا ، مدبجا ذلك بشكل نصيحة ألتذ باسدائها: "أحسن أيام عمرك الجامعة"، لم تعد تهزني كالسابق - لقد خلقت حياة جديدة هنا و تعرفت على أصدقاء جدد ووجدت فيهم خير أنس و صحبة ، بل زد على ذلك إني أطالع إنعكاس صورتي أيام بغداد فأطاطئ محرجا من الهندام و الشكل و التصرفات المرتبطة بهذين طبعا، كانت القيثارة لا تفارقني فإذا بها اليوم مسبحة !!!! أين أنت يا جيمس هيتفيلد لترى ما صنع الله بوليك؟ إنه يسمع يوسف عمر.

بعد طيف الحزن يأتي الألم ، ثم الغضب ، غضب يطال أشياءً كثر ، لقد أدرت الفكر في هذه كثيرا : هل كان لأحداث بغداد أثر في تكوين ذلك الجمر الرابض في أخمص الصدر؟ كما أبهت الزمن صورة بغداد التي عشتها ، بدأ النسيان يركب صورة لبغداد أدخلها الوعي العام ، صورة من لم ير بغداد على حقيقتها او قد نسيها ، فإنتقل جمال نسيانه إليّ :

تراءت لي تلك الصورة الجميلة المغسولة بشهد الفردوس عن عاصم العالم و دار السلام ، حيث يجلس الخليفة محاطا بألف جارية ترقص (مطلب ذكوري أعتذر عنه) بين فلسفة أهل الكلام و ترنم أهل الغناء ، وعن إنفتاحها و جمالها و أسواقها و كوزموبوليتها، إستحضرت ذلك السحر الإسطوري الذي بني عن إحترام جديد للتراث و التاريخ أسطره بعد المكان و سهولة النسيان -- ثم كاسرتها بعنف بالصورة النقيضة القبيحة ، مقتل إصدقائي الأربعة ، إنعدام الخدمات مضافا الى غضب الله المتمثل بالعواصف الترابية و الحر الشديد ، مجازر الطائفتين أيام بني بويه المكررة اليوم بشكل يكاد يكون مماثلا الى درجة سخيفة ، حروب الشاه الإيراني و السلطان العثماني المتتابعة ، مجازر صدام حسين البشعة المختبئة خلف وعد بإعادة بغداد الى عصور عظمتها ، تجربتي الشخصية فيها كمواطن كاعدٍ و ساكـــتٍ لا ضرر مباشر عليه - ولكن ترعرع بلا ذنب منه في بلد معزول منزو وسط أناس تغلب عليهم الخشونة و مقهورين متخلفين حيث إن شظف العيش قد أغناهم عن طلب أي شيء آخر ، قال الشافعي :
لا يدرك الحكمة من عمره * يكدح في مصلحة الأهل
ولا ينال العلم الا فــتى * خال من الأفكار و الشغل
لو إن لقــمان الحكيم الذي * سار به الركبان بالفضل
بلي بفقر و عيال لما * فرق بين التبن و البقل

وهكذا تراءت لي صورة جديدة لبغداد ، صورة أمرأة فائقة الحسن و كأن الــقُــدُوس قد خصص يوما ثامنا لها لم يذكره بقصة الخلق غيرة على حسنها ، إمرأة يطلبها الجميع ولكنها لا تريد سوى قهرهم جميعا بذلك الحب. شهية متمانعة تتظاهر بالستر و العفة ولكنها أرض سادية متوحشة فيها الكثير من العهر لا ترضى إلا بشرب الدماء و لا ترتوي منه و إن كان فيها دجلة العذب منذ الأزل. خلطت كل ذلك عساني أوفق في التعبير عن صعوبة حب بغداد ، فكانت هذه الأبيات المختلة الوزن (قيد الضبط) :

قال الراوية إبن عقوب: بعد إفناء بضع ساعات زمن نضارب الطابات على طاولة ( بليارد) مررنا بأبي اللازورد عباس هوازن يوم أربعاء بغداد ، فأدخلنا الدار واجما ثم أشار الى مرئيه ( تلفزيون) ثم جلس مقطبا لا يتكلم. و ما إن مضى بضع الساعة حتى قال :

قالوا دار السلام قلتُ واعجبا أما شهدتم كوم الجماجِمَا
أتاها النـــهر الزلال مسترجيا وتأبى إلا عصارة آدَمـَــــا
(أي إن دجلة عندها و لا تقبل إلا بعصير بني آدم : الدماء)
أبغداد كم قمرا غاب بإرضك أفطبعك الساديّ من أقدِمَــا
فمـــاللولاة يطالبون بوصلك وكلٌ تولى سحلا أعدِمَا
أقر بإنك البدر كما وصفوا وللبدر وجه بلا نور أعتَمَا
(للقمر جانب مظلم لا تطلع عليه الشمس أبدا)
ألمن يذلك تفرجينها ساقا؟ ولمن يحبك تندعين بالعَمَا ؟
حتى رفيعك إن علا علانيا لا شك خزيٌ بسرِ كاتِمَا
إن يك هارون نبي مجدك موسى أخاه بالسجن قد سُممِا
(إشارة الى هارون الرشيد و موسى الكاظم مستغلا تطابق إسميهما مع النبيين)
يظفرك التاريخ جدائل عزنا شموخ رايات و رفعة مكرِمَا
وينحت ألف نصب ويقسم باللات و العز أن أنت العاصِمَا
فأنظر ثناياه لعلك باصر نوح الثكالى و أفــجُــعَ مؤلِمَا
إن يذبح الشاه معظم معشر يسلخ السلطان من تبقى جاثِمَا
سؤددك الصنم توارت تحته حفاة عراة يبس المعاصِمَا
يخشون النور جهلا بعنصر وقد ألفوا الظلامة و المُظلِمَا
كل ما لهم من بيارق عزه حشو الكلام و رهبة صارِمَا
هوى هبل فتراطموا سهوة خوفا و جُبلا و جهلا عارِمَا
تنصب كرخ و الرصافة رافض ومسيحُ لحقت يهودَ تشرذًمَا
فيا ليتني كنت بدوا راحلا لا يبالي إن لسفر أٌرغِمَا
ولا أقدس شبر أرض أبدا ولا أرضى بحبك مـعـدَمَا
لاخير بقدس مستبدة تأكل أولادها و تشرب الدِمَا

Monday, December 08, 2008

ذكريات أيام زمان

سيـــــطرات تقتل على الهوية:
و في هذه السنة 408 هجري وقعت فتنة عظيمة بين أهل السنة و الروافض ببغداد قتل فيها خلق كثير من الفريقين, ثم ان الفتنة تفاقمت و عمل أهل نهر القلائين بابا على موضعهم و عمل أهل الكرخ بابا على الدقاقين مما يليهم, وقتل الناس على هذين البابين.

زيادة الشحن الطائفي عند الزيـــــــــارات:
وفي عاشر المحرم منها 359 عملت الشيعة مأتمهم و بدعتهم على ما تقدم قبل, وغلقت الأسواق و علقت المسوح, وخرجت النساء سافرات ناشرات شعورهن ينحن و يلطمن وجوههن في الأسواق و الأزقة على الحسين...ثم تسلط أهل السنة على الروافض فكبسوا مسجدهم, مسجد براثا الذي هو عش الروافض, وقتلوا بعض من كان فيه من القومة.

مـــــــــصالحة وطنية:
(في هذه السنة 442 ه إصطلح الروافض و السنة ببغداد, وذهبوا كلهم لزيارة مشهد علي و مشهد الحسين, وترضوا في الكرخ على الصحابة كلهم و ترحموا عليهم, وهذا عجيب جدا إلا ان يكون من باب التقية). 

تفــــــــــــــــجير مراقد, ميليشيات, الزرقاوي:
في هذه السنة 443 (بعد سنة مصارت علمصالحة هههه) في صفر منها وقع الحرب بين الروافض و السنة, فقتل من الفريقين خلق كثير, وذلك ان الروافض نصبوا أبراجا و كتبوا عليها بالذهب ((محمد و علي خير البشر, فمن رضي فقد شكر و من أبى فقد كفر)), فأنكرت السنة إقران علي مع محمد (ص) في هذا, فنشبت الحرب بينهم و أستمر القتال الى ربيع الأول, فقتل رجل هاشمي فدفن عند الإمام أحمد (= إبن حنبل) و رجع السنة من دفنه فنهبوا مشهد موسى بن جعفر و أحرقوا ضريح موسى الكاظم و محمد الجواد و قبور بني بويه و أحرق قبر جعفر بن المنصور و محمد الأمين و أم زبيدة و قبور كثيرة جدا, وانتشرت الفتنة و تجازوا, وقد قابلهم أولئك الرافضة أيضا بمفاسد كثيرة و بعثروا قبورا قديمة و احرقوا من فيها من الصالحين حتى هموا بقبر الإمام أحمد...وتسلط على الرافضة عيّار يقال له القطيعي و كان يتبع رؤساهم و كبارهم فيقتلهم جهرا و غيلة, ولم يقدر عليه أحد. 

نزوح قسري و كانتونات طائفية:
في هذه السنة 441 منع أهل الكرخ من النوح و فعل ما جرت عادتهم بفعله يوم عاشوراء فلم يقبلوا, وفعلوا ذلك, فجرى بينهم و بين السنية فتنة عظيمة, قتل فيها و جرح الكثير من الناس...وبطلت الأسواق و زاد فيها الشر حتى انتقل كثير من الجانب الغربي الى الجانب الشرقي فاقاموا فيه. 

مــــــــقابر جماعية:
في هذه السنة 407 قتلت الشيعة بجميع بلاد أفريقية, وكان سبب ذلك ان المعز بن باديس ركب و مشى في القيروان و الناس يسلمون عليه و يدعون له, فاجتاز بجماعة سأل عنهم فقيل: هؤلاء رافضة يسبون أبا بكر و عمر فقال: رضي الله عن أبي بكر و عمر, فانصرفت العامة من فورها الى درب المقلي من القيروان و هو تجتمع فيه الشيعة فقتلوا منهم, وكان ذلك شهوة العسكر و اتباعهم طمعا في النهب, فقتل من الشيعة خلق كثير و احرقوا بالنار و نهبت ديارهم, وقتلوا في جميع إفريقية, واجتمع جماعة منهم الى قصر المنصور قرب القيروان فتحصنوا به, فحاصرهم العامة و ضيقوا عليهم, فاشتد عليهم الجوع, فاقبلوا يخرجون و الناس يقتلونهم حتى قتلوا عن أخرهم. 

لطيــــمات صـــــدامية:
لما كانت الشيعة يصنعون في يوم عاشوراء مأتمت يظهرون فيه الحزن على الحسين, قابلتهم طائفة أخرى من جهة أهل السنة فادعوا ان في اليوم الثاني عشر من المحرم سنة 389 قتل مصعب بن الزبير, فعملوا له مأتما كما تعمل الشيعة للحسين, وزاروا قبره كما تزور قبر الحسين. 

تــــــــــهجير المسيحييــــــن:
في فتنة 437 بين الروافض و السنة إتفق الفريقان على نهب دور اليهود و احراق الكنيسة العتيقة التي لهم, اتفق موت رجل من اكابر النصارى بواسط فجلس اهله لعزائه على باب مسجد هناك و اخرجوا جنازته جهرا ومعها طائفة من الأتراك يحرسونها, فحملت عليهم العامة فهزموهم و اخذوا الميت منهم و اخرجوه من اكفانه فاحرقوه و رموا رماده في دجلة و مضوا الى الدير فنهبوه. 

يــــكطعون النفط نكطـــع عليهم المي: 
في هذه السنة 425 وقعت الفتنة ببغداد بن السنة و الروافض, حتى بين العيّارين...فمقدما عياري أهل السنة منعا أهل الكرخ من ورود ماء دجلة فضاق عليهم الحال. 

آخر فتنة طائفية ببغداد:
عام 547 : أخذ ابن قرايا الرافضي الذي ينشد في الأسواق ببغداد, فوجدوا في بيته سب الصحابة فقطعت يده و لسانه و رجمته العامة, فهرب و سبح, فالحوا عليه بالآجر فغرق, فاخرجوه فاحرقوه, ثم وقع القبح على الرافضة و احرقت كتبهم, وانقمعوا حتى صاروا في ذلة اليهود, وهذا شيء لم يتهيأ ببغداد من نحو مائتي و خمسين سنة

المصادر: إبن كثير, إبن الأثير, الذهبي -- نقلا عن جورج طرابيشي - هرطقات 2. 
000000000000
هذا غيض ضئيل من فيض هائل للحرب الطائفية التي دامت ثلاثمئة سنة (منتصف القرن الرابع - منتصف القرن السابع و سقوط الدولة ) المسكوت عنها في بغداد و التي بدأت من دخول أحمد بن بويه, عكس بغداد اليوم, فالكرخ هي المحلة الشيعية و الرصافة هي السنية.  العيارين = الشقاوات. يلاحظ أيضا ان الجمهور السني كان هو المسيطر دائما بالرغم من كون الحكم شيعيا و ذلك يدل على ان الشيعة لم تكن بالثقة او القوة التي هي عليها اليوم ليس فقط في العالم الإسلامي بل بالعراق تحديدا. 
كما ترى فلا جديد تحت الشمس, و لم نتقدم خطوة واحدة للإمام فكل إبتكارات الموت قد عرفها من قبلنا, لا أمريكا ولا المغول اختلقت الصراعات ولا هم يحزنون هي خربانة خربانة.