في المخيلة الشرقية و العراقية ميل الى شخصنة الظواهر الجديدة بإسم أبرز منتجيها, فالشوكولاتا هي ((نستلة)) و المحارم الورقية ((كلينكس)), و أجهزة ألعاب الفيديو ((أتاري)), إنها ثقافة يمكن ان نرى فيها شيئا من صنمية الفرد تنتمي لعصور ما قبل حقوق الطبع حيث تنسب كل نكتة الى جحا و كل أغنية الى عثمان الموصلي, ويمكن ان نلمس شيئا من هذا في تجربة (شلش العراقي), فعلى سبيل المثال وصلتني مقالتين ساخرتين من المستوى الممتاز بالإيميل مذيلة بتوقيع شلش العراقي و لا علاقة له بهما, أولهما هي مقالة (الدولمة) و أنا اعرف صاحبها و هو مدوّن عراقي, والثانية هي مقالة السيدة عشتار العراقية (باي باي أمريكا! أهل المظلومية إستلموا الحكم) المنشورة بموقع كتابات بتاريخ 8 تشرين الثاني 2008. ولقد تكاثرت المقالات التي تدعي وصلا ب(شلش) بصورة عنقودية منذ إنتشار خبره ما بين المستعمرات العراقية على إمتداد البسيطة, لقد تكاثرت هذه المقالات الى درجة يمكن ان نقول بها ان إسم (شلش العراقي) قد تجاوزت إشكالية وجود شخص كتب بهذا الأسم في وقت ما و محاولات تقليد واضحة تبعته, بل انه صار علما جامعا لأي كتابة عراقية ساخرة و كل من يريد ان يكتب بهذا المضمار ينتحله اعترافا برسوخ هذا الإسم مرتبطا بالسخرية الرقمية في الوعي المجتمعي.
ليست الكتابة العراقية الساخرة فنا مستحدثا او نخبويا من حبزبوز مرورا بداود الفرحان, ولكن هذه الشواهد التي ذكرتها تشير كلها بأن (شلش) و المقصود هنا هو (شلش) الأصلي في قمه عطائه (أيلول 2005 - كانون الثاني 2006 ) في كتابات, هو رائد الكتابة الإنترنتية الأول, بل إنه أوسع من هذا المفهوم, فقد يكون الأنتاج الثقافي الأبرز و الأغلى ثمنا لعراق ما بعد صدام, إنه كاتب قادر على صياغة خطاب تسمعه أضراب متباغضة من الناس فتأنس به كلها, فدونك كاتب من الطراز الأممي و هذا الإجماع قد يمكن ان يكون إنعكاسا مهما قد يسعفنا في الإمساك بخيوط نهج وطني حقيقي يخرج بصعوبة ما بين ركام الحروب و الصراعات المختلفة حد الإفراط التي ماج بها هذا الوطن مما حدا بنا بالشك في قدسيته و جدوى إستمراره, و على الرغم من وجود فئة محترمة من الكتاب الذين يسلك منهجهم وفق هذه المقاييس إلا ان خصوصية شلش تمكن في قدرته على الإنتشار الواسع الذي لم يتأت لغيره, ولم يقم بتحقيق ذلك بالمزايدات الهوائية كما لم يكتب متزلفا عقلية الجمهور الشعبوية التي يلومها الكثيرون من الأدباء المترفعين كسبب لركود الحراك الثقافي, فألا تستحق ظاهرة نادرة الحدوث كهذه دراسة منهجية رصينة في وطن كثر الحديث فيه عن الوطنية و حب الوطن و ربط هذه المفاهيم بالموقف من الوجود الأمريكي او صدام حسين و غيرها من العقليات الإحتكارية, في سبيل الإمساك بمفاتيح هذا الخطاب الصعب و النادر.
هذه المقالة توضح المراحل التي مر بها شلش العراقي, اضافة الى العناصر الأساسية التي تتكون منها المقالة الشلشية, منوهين بأبرز محاولتي تقليد شلشية –حسب علمنا- و من ثم أدلتنا على "موت" شلش العراقي إفتراضيا على الأقل.
شخصيات شلش العراقي:
هناك نوعان من الشخصيات في قصص شلش العراقي:
هناك أولا القصص التي يرد فيها ذكر شخص (شلش) نفسه كعنصر روائي, غالبا كالشخص السلبي المراقب ويكون عادة في حوار مع الجار الفعّال و الكثير الحركة (خنجر) و إسمه هذا دلالة على المكر و الخبث المجسد وهي الشخصية التي تلي شلش في الحضور, وأصل (خنجر عبد الرضا) كان شخصية (عبد الرضا) الذي يؤدي دور خنجر بشكل غير واضح في المقالات الأولية, وقد نعتبره (سكتش) أولي أخذت أبرز ملامحه لصنع خنجر فيما بعد, مع بقاءه كشخصية ثانوية ترد نادرا تلعب دورا مختلفا وهو دور الصديق الفهمان. هناك أيضا ثنائي العم شناوة - الخالة صبيحة الذي سيتبلور لاحقا وهؤلاء مجانين مخربطين أكثر من كونهم مكارا متثاقفين كخنجر, يتبع شلش العراقي في هذا الطور قالبا واحدا من العلاقات العائلية و الإجتماعية يمكن تلخيص شخوصه في هذا المخطط:
ثانيا, القصص التي لا يحضر فيها شلش, وشخوصها يظهرون مرة واحدة و يختفون بعدها تماما, وهذه كثيرة أيضا و بعضها من أفضل مقالاته (دعبول, شيهان, بيت حريجة, سلمان الأطرش, عاصي الحرامي, نوشة دوت كوم), تتشابه هذه الشخصيات كثيرا في ملامحها و مقاصدها.
مرت تجربة شلش العراقي بثلاثة مراحل:
1. الأوج : و هي المرحلة التأسيسية التي بنيت عليها شهرة شلش العراقي كلها, و هي تجمع سمات شلش الأساسية التي سنأتي على ذكرها, تنحصر في (92) مقالة نشرت بشكل شبه يومي في موقع كتابات للفترة ما بين 25 أيلول 2005 لغاية شهر كانون الثاني 2006 حيث يمكن اعتبار مقالة (الهجرة الى الأردن – الأخيرة) هي خاتمة تلك المرحلة. يلاحظ في هذه المرحلة عدم وجود فترة بناء او نضج بل ان جميع أوليات شلش متوفرة منذ المقال الأول بنفس المستوى الرفيع باستثناء اول مقالتين و هما مكتوبتان بإسلوب المقالات العراقية الاعتيادية و يمكن اهمالهما دون إشكال ليصبح العدد (90), و يجب ملاحظة ان احدى هاتين المقالاتين (بين يدي القائد) هي تعليق عن حدث يختص بالأدباء و هامشي بالنسبة للشارع تشير الى ان شلش العراقي ينتمي الى محيط الأدباء العراقيين فهو ليس هاويا, وهناك دليل آخر على إحترافية شلش نستعرضه في سمات شلش الأساسية.
2. التذبذب: (18) مقالة منشورة في كتابات ما بين شهر شباط 2006 – شهر أيلول 2006, هنا يبدأ إنتاج شلش بالتلكؤ فقد يرسل مقالة واحدة في الشهر فقط, و تتميز مقالات هذه الفترة بتضائل حس الفكاهة المعهود لشلش الى درجة شبه كاملة تقريبا, تاركة أنينا جافا هو مؤلم عندما تقارنه مع الإبداع الذي كان, فكأنك ترى إنحدار معنوياته نحو اليأس بصورة بطيئة محزنة, شلش نفسه سيعتذر بان لا مجال للنكتة و هو يحاول إنكار او تفنيد جحيم الطائفية المتفاقم في البلد بكل قوته. وعندما يحاول ان ينكت وهو نادر تكون النتيجة مفتعلة غالبا (طلعت بالتلفزيون – وهذه هزيلة الى درجة تجعلنا نشك بمصداقيتها), و تنجح في بعض الأحيان (بصحة العراق). ولكن بشكل عام لا يمكن القول ان هذا الشخص ليس شلش, و نحن نعتمد ها هنا على حسن رأي أياد الزاملي اولا في نشره لهذه المقالات في كتابات و على سمات شلش العامة التي لا تزال متكاملة في أغلب المقالات, وهو ما سنعرج عليه لاحقا كما أسلفنا.
3. الأفول: (24) مقالة ما بين تشرين الأول - تشرين الثاني 2006, الفرق بين هذه المرحلة و التي سبقتها هو تصاعد الإنتاج فجأة و محاولة أكثر تصميما للعودة الى الروح المرحة السابقة, ولكنها محاولة منيت بالفشل على الأغلب. لم تنشر هذه المقالات في (كتابات) بل نشرت في مدونة خاصة بشلش العراقي أنشأها له أحد المدونين العراقيين المناهضين للوجود الأمريكي, وهو العالم النووي عماد خدوري, لذا يمكن التشكيك في مصداقيتها, على إننا إجمالا لا نرى إختلافا مميزا في الأسلوب عن الفترة التي سبقتها في كتابات او تغيرا في التوجهات السياسية يشير بزيف هذه المقالات سوى البياخة الواضحة في النكات فقط, وهذا يختلف عن محاولات تقمص شلش اللاحقة الأكثر وضوحا بزيفها و التي سنستعرض منها محاولتين من طرفي نقيض أيدولوجيا, وهو ما يثبت عالمية شلش التي جذبت هذين المتضادين و إستوعبتهما معا.
سمات شلش الأساسية :
- اللغة : مخطئ من يظن ان بريق شلش العراقي يمكن في أن أسلحته لا تعدو الشعر الشعبي و اللغة العامية, إن أدوات شلش العراقي لا تزال مستنبطة من كتابة المقالة الفصحى بأسلوب جزل مختصر, أما العامية فهي مدخرة عادة للحوار ما بين الأشخاص, او تأتي مقحمة على الفصحى في سياقها المناسب, مع إعترافنا بأهمية العامية في جاذبيته ولكن الفصحى لا تقل أهمية ان لم تكن أهم, وبهذا فانا اختلف مع صاحب المقال المنشور بتاريخ 26 تشرين الثاني 2008.في كتابات (ظاهرة شلش العراقي هل تعلن سقوط الفصاحة الإعلامية!؟ الكتابة باللهجة العاميّة في عصرالدم قراطية(
- السياسة: وهنا مواراة لطيفة, فقد يتوهم القارئ ان شلش كاتب سياسي معني بالتعليق و الرأي على الأحداث أولا, ولكن المدقق بكتابات شلش لا يراها تعنى بالسياسة كهم رئيسي, فهو يتناولها عادة بشكل غير مباشر عن طريق مشهد إجتماعي شعبي, إن سر جاذبية مقالات شلش هو نفس سبب نجاح (باب الحارة 2) مقابل فشل جزءه الأول, فالنواحي والشخوص الإجتماعية لا السياسية تأخذ الحيز الأكبر من الإهتمام, أما الغايات السياسية فهي ليست مهمة بقدر كونها مكونا يلعب دورا معينا في حياة الناس فقد ترد او لا ترد, هناك مقالات كثيرة لشلش لا علاقة لها بالسياسة من قريب أو بعيد بل هي مجرد حديث ممتع عن غرائب مدينته الغبارية (تريد بطل عرك؟ سويلي مس كول – سليمة في إجازة) , ولهذا ترى الزاملي محتارا يضع شلش يوما في صوب الثقافة و آخر في السياسة , ولكن لإن السياسة حاضرة بقوة في وعي المجتمع العراقي فذلك غالبا ما ينجر شلش اليها حاله حال الناس.
وإن كان هناك إسقاطات سياسية مدروسة فان شلش يعرف ان هذه الحبكة لها وقع أكبر على النفس من الخطاب السياسي الجاف ولكني أستعبد ذلك, ولذلك نرى ان شلش عندما بدأ يشعر بانه يجب عليه ان يتقمص شخصية المحلل السياسي قبل الإجتماعي في مرحلتيه الثانية و الثالثة (التذبذب و الأفول) (صارت بالهاونات, إرهابيان, ماكو حرب أهلية) لم يكن بنفس التأثير و تلبدت المقالات بملل شاحب.
لازمة شلش: من الجدير بالذكر ان الحبكة التي يتقنها شلش بصورة تكاد تكون رائدة يمكن تلخيصها بالتالي: مصادمة عالم العولمة المتمدن بدهشة العالم الشعبي التقليدي تجاهه وهذا القالب يتكرر بصورة كبيرة جدا قد تصل الى الإفراط بل تكاد تكون شغله الشاغل, و على سبيل المثال نذكر(نوشة دوت كوم, فضيحة شلش-كوكل إرث – مناوشات دستورية في شارع صبيحة الحفافة - اعتصام شيهان-مكية امام مكتب السيد - و المقالتين التي يرد فيهما حسون الدنماركي, وهو الرمز المشخصن لهذه المصادمة).
-التحصيل الثقافي: شلش مثقف متمرس درس الأدب يعرف كافكا جيدا (مسخ بيت حريجة) و من الواضح انه قد قضى فترة من الزمن كغيره من المثقفين الفقراء مهتما (على الأقل) بالشيوعية و شخوصها (خنجر شيوعي من التيار الصدري, العملية السياسية في قطاعنا), ولكن الدليل الأكبر على ذلك هو تجاربه في مخاتلة القارئ عندما يتجرأ و يعرض بعض نتاجه القصصي الخيالي الذي ترى فيه جميع معالم الأدب العراقي الديناصوري الذي عرفناه بوسائل الأعلام المقروءة او المرئية فهو يعالج هموم الناس بصورة كلاسيكية مترفعة لا تؤثر بقوة على المتلقي (تمثال الكبت – بحيرة النور) وشلش يعرف أبجديات هذا الفن و يتقنه واحيانا يخرج بنتائج ممتازة قد تكون من أفضل ما كتب (كابوس الرفيق جابر الأبدي, عاصي الحرامي و صورة الحسين و هي إنتقاد للوجود الإيراني) ولكن لم يتوغل في هذا المضمار كثيرا و لله الحمد.
-العلمانية: ما يثير الإستغراب في جماهيرية شلش هو علمانيته المفرطة, فهل الشارع العراقي غير متدين الى هذا الحد فعلا؟ شلش سكير مزمن يجاهر بالسكر ونشوته في نوع من الدعائية و رمضان عنده ليس أكثر من "شهر تشح فيه الخمور" (تريد بطل عرك؟), شلش يحتفظ بمعالم تدين رمزية يستعملها أساسا كخلفية ثقافية (طفولة بعيدة بدشداشة سوداء) قبل الإعتقاد الصادق, بل ان مقالة (الركن الهادئ في مقام السيد حمد الله) يمكن تفسيرها كنقد مبطن لظاهرة المراقد وأسطرتها ولا يخفى طبعا أهمية المراقد عند الشيعة. شلش مناوئ للقوى الرجعية سواء كانت بعثية ام صدرية, وهو لا يهتم بتبريرات منطلقة من تحيز كالقول بانها فعل او رد فعل بل ان عداءه معها عداء وجودي منطلق من مسألة مبدأ. شلش يهتم جدا بتشجيع إدخال عناصر الحياة المدنية الى المجتمع (مدينة الثورة تفيق من غفلتها, مدينة الثورة من التخلف الى الظلام) كما يسخر بمرارة من إستحالة بناء مثل هكذا مجتمع في كنف هذه القوى (مخطط اعمار مدينة الثورة)
-أمريكا : الوجود الأمريكي لا يلعب أي دور في كتابات شلش العراقي. وهذه النقطة مهمة جدا, وقد تكون محورية في سر شعبية شلش في تلافيه هذا الموضوع الحساس, شلش لا يهاجم الأمريكان أبدا و ان حضروا فهم مجرد رمز حداثة يستخدم في عملية المصادمة التي أشرنا إليها (نعناعة تتبنى جنديا أمريكيا), وهو مفهوم فرؤية شلش كما أسلفنا إجتماعية و ليست سياسية فهو غير ملزم بتقديم موقف واضح من امريكا التي لا تشكل عنصرا في بنيوية المجتمع, شلش يقر بشكل هامشي ان أمريكا دولة محتلة, ولكن المستشف من خطاب شلش هو انه يرى ان راس البلوة هي القوى الثيوقراطية التي جثمت على خرائب حقبة البعث, اما الإحتلال الأمريكي فشلش غير مهتم به كثيرا, وقد يرى وجوده أفضل من ذهابه.
-مدينة الصدر: شلش العراقي مهم بالنسبة لمدينة الثورة بوجه خاص, فغالبا ما يتعرض لها بمعالجة موسوعية تشابه معالجة المؤرخ او الباحث فتراه يكتب مرة عن تاريخ (ساحة صباح الخياط دخلت التاريخ), ومرة عن ظواهر إجتماعية (تريد بطل عرك؟) و مرة يصوغ فيدرالية لها, كل هذا الإهتمام يكتنفه حب عميق لهذه المدينة, الأهم من ذلك هو ان شلش يعكس وجها إنسانيا لهذه المدينة التي أختزلت كتجمع متخلف ثيوقراطي طائفي بإسم (مدينة الصدر) عند الوعي العراقي و العالمي, ان أنسنة مدينة الصدر و تألف المتلقي الغريب عن هذه المدينة وهو يستمتع بالحوادث الغريبة و الشخوص التي تجول فيها من أهم مكاسب شلش العراقي, فهو أولا يبدد السمعة المخيفة لهذه المدينة, وكأنه يقول لنا ان هذه المدينة الفقيرة التي يُنظر إليها بعين الإزدراء قادرة على إخراج منتوج حضاري نفخر به كعراقيين, و مطلب المساواة الطبقية هذا مطلب قديم في المجتمع العراقي على الأقل.
- الطائفية: كتابات شلش هي كتابات عراقية مباركة, لا سنية و لا شيعية, ومن الصعب إيجاد مدخل لوصم شلش بالطائفية, فهو يبتعد عن الرموز التي تشعرك بميله الى هذه الطائفة او تلك, فولائه الفعلي هو للعراق فقط, ومن الجدير بالذكر ان معظم النقد الذي يهاجم شلش يأتي من طائفته هو وبالتحديد الملتزمون دينيا و المسيطرون على زمام الأمور حاليا, فهل يمكن ان نقرأ من هذا الموقف ان شلش يحمل شيئا من الشحن ضد أبناء جلدته؟ ليس بالضرورة, وإن قسى شلش على أبناء مدينته و عاداتها و تقاليدها (قبل بناء العراق الجديد علينا بالليفة و الصابونة, وغيرها كثير) فهذا النقد يسوده شيء من الحنان و العتب الرقيق الذي يوجهه فرد من داخل المجموعة إليها, كما إن هذه الخصوصية لا تعني بالضرورة ان شلش يكتب لمدينة الصدر فقط.
و سأكتب ملحقا لهذا المقال اعقد فيه مقارنة ما بين إنعدام الطائفية عند (شلش العراقي) و إضطرار (أمير المكاميع) إليها وسبب فشله في الخروج من فخها, إضافة الى مقارنة بطائفي ميؤوس منه مثل (وجيه عباس).
صدام: شلش يكره صدام بالقدر الذي يستحقه, إنه ماضي ولى لا رجعة اليه, و ليس شامتا فيه الى حد الإزكام كالكثيرين غيره, أصدق كلام يقال في موقف شلش من صدام هو قوله نفسه: "أحس كأني وسط مزبلة كبيرة و يحاولون تذكيري بواحدة قديمة." (مو هاي المشكلة)
-أسلوب مقالة الإنترنت: شلش متفهم جيدا لطبيعة وسط الإنترنت, حيث يتوجب ان تكون الكتابة موجزة و جذابة, فإنتباه قارئ شاشة الحاسوب عرضة للتشتت اكثر بكثير من قارئ المطبوع و عيونه تجهد بسرعة أيضا.
محاكاة بائسة :
فضلا عن عدة محاولات لتقليد أسلوب شلش بأسماء أخرى (جحا العراقي, كش ملك, أبو جنوب, شلوشة العراقية, أبو الكيا البغدادي), هناك عدة محاولات لتقليد شلش مستعملين إسمه هو, نورد منها أشهر إثنتين:
شلش "البعثي" أو شلش الجيميل: وهذا الشلش قد ظهر مؤخرا, و يذيل مقالاته بإيميل shalashaliraqi@gmail.com, وهو يكتب في جميع المواقع المصطلح على توصيفها (مواقع المقاومة) إضافة الى مدونة شلش العراقي المنفصلة عن كتابات, ومحاولة التقليد هذه رديئة جدا, فهو يتبع جميع المواقف النمطية البعثية, و هنا أستعمل لفظة "البعثي" كترميز كاريكاتيري للتوجهات التي عادة ما يطلق عليها أفكار بعثية, وهذه تشمل: تمجيد الأعمال المسلحة ضد الأمريكان و شتم أمريكا من كل منبر كلازمة, تخوين الأكراد و محاولة فرض انتماء العراق العربي عليهم بالقوة, تخوين ما يسمونه "الصفوية" و هو مصطلح فضفاض عادة يقصد به الهيمنة الشيعية بشكل عام, الحنين الى حقبة صدام و إنكار المجازر او تبريرها كضرورة لا مناص منها.) ان الإختلاف واضح بين هذه الأفكار و أفكار شلش العراقي الأصلي, فهو يشتم الإرهاب و احيانا المقاومة العراقية في أكثر من مرة (العودة من جنة كلكامش, أحلام تتحقق بسرعة), وهو بشكل عام متقبل للعملية السياسية (عموما هذه هي النتائج) و قد كان مؤيدا للإنتخابات مهما كانت النتائج كونها ظاهرة حضارية تتناغم مع قناعاته العلمانية التقدمية, وبالرغم من ان شلش له إنتماء لعراق مركزي يجعله يمقت موقف البرزاني في أزمة العلم (عش هكذا في علو), لكنه يفهم خصوصية الأكراد و يهنئ جلال الطالباني و "كردستان" (تهئنة بالعام الجديد), ناهيك عن ضحالة الأسلوب الذي يعتمد على تكرار عبارات عامية بسجع لا ينتهي, وكأن هذا المتقمص يظن ان مجرد وجود كلمات عامية سيتكفل بجعل المقال مضحكا, كما انه من الواضح ان هذا الشلش لا يعرف شيئا عن مجتمع (الثورة) الجنوبي الفقير الذي يشكل محور ثقافة شلش العراقي الميدانية. عندما راسلته لم يجبني, ولكن زيفه واضح جدا, وقد إستبقتني الأحداث الأخيرة ففضحته بشكل مخز على الملأ.
شلش الياهوو: وهذا الشلش ظهر في الموقع المسمى (تحت نصب السخرية), كما روج له سيف الخياط (لا ندري بحسن نية ام لا) في مقالة نشرت بإيلاف يصور الموقع كموسوعة السخرية العراقية, يوقع ب shalashaliraqi@yahoo.com , مقالاته لا تتحدث عن شيء معين, لا سياسيا و لا إجتماعيا, انها أشبه بوشوشة تحاول إستحضار مفردات و أساليب شلشية لا يبدو انه قد وعى منها شيئا سوى (إثرد جلفي و هيه تصفه), أكثر شيء تكلم عنه هو مختلف المسكرات و حوارات بايخة مع هيفاء وهبي باللهجة العراقية, كما من الواضح ان الكاتب موجود في أوروبا فهو يكتب عن حياة متغربين فقط., للأسف فلا يبدو انه قد أبدى جهدا في نشر مقالاته بالشكل الذي قام به خلفه البعثي, فلم يحدث أي ضجة, وأختفى بسرعة كما خنس الموقع نفسه. عندما راسلت هذا الشلش بإيميل شديد اللهجة وقتها, إعتقد لسبب ما أنني انا شلش الأصلي, فلم أكذبه آملا في ان اعرف شيئا ما, حدثني قليلا (بإنكليزية فصيحة) عن رؤيته في المتاجرة بأسم شلش و إحياء إسمه و كأن شلش شعيرة من شعائر كتابات الإنترنت, كان يعتقد ان هناك (أربعة شلشات) قبله و لا أدري من أين خرج بهذا الإستنتاج, كما حدثني آملا في كسب صداقتي عن كيفية تحقيق مكتب الصدر مع صاحب الموقع بعد ان عرفوا انه ينشر مقالات لشلش العراقي (أبد مجانوا مسيطرين الجماعة), بعد برهة ترس صاحب الموقع نفسه الإنبوكس التابع لحضرتي بعاطر الشتائم من قبيلة: (شوف عيني شلش القديم انت ابن زنا غير شرعي للموقف والكتابة لاتحسن سوى الشتائم لانك بعثي،انتم حيوانات مستعارة وثق بشرف امك العزيز…) والخ من صنوف البلاغة التي يحسنها حامي حمى (كسها).
لماذا أعتقد موت شلش؟
كتبت في أوائل هذا العام الى إيميل شلش الأصلي (الهوتميل) shalash70@hotmail.com, بخصوص تجميع مقالاته بشكل كتاب إلكتروني أنيق, فأجابني إجابة مؤدبة خجولة, فيها شيء من تواضعه المعهود, ثم دار حوار بسيط حاولت ان اتلمس فيه لماذا توقف عن الكتابة, وبادرته بطرح ظني الأول, وهو ان كتابات شلش لا يمكن ان تبيض و تفرخ خارج حاضنتها الطبيعية (مدينة الصدر), فأجابني ما فهمته إيجابا, وقبل أيام أكد ذلك في رسالته المقتضبة الى كتابات. ليست لدي وسيلة أجزم بها ان هذا الأيميل لم يسرق, ولكننا سنفترض ذلك لعدم توفر أدلة كثيرة تشير الى عكس ذلك, ما أعتقده هو أن شخص (شلش) المرح لم يعد قادرا على الخروج من كاتبه الخالق, وهذا الأخير لا يمتلك اليوم البيئة التي تساعد على إزدهار الإبداع ولا الحالة النفسية الملائمة لذلك, لاحظ الأنين المتواصل الذي تحتويه مقالات شلش العراقي ما بعد سفرته الى الأردن, لقد مات شلش الذي نعرفه في يومها, بعد أن أصبح الأمر أكثر من سخرية لاذعة يشوبها أمل بغد أفضل, انه انهيار نفسي تام للكاتب الأب الذي إيقن فجأة بعد ان شاهد وطنه من الخارج, بعد ان كان غير مدرك لفداحة الفاجعة و هو يعيش ليومه في داخل العراق, بعد لحظة قلب الموازين هذه, حاول ان يعبر عن نفسه بصورة أعم في مقالات سياسية جافة لا تختلف عما يطرحه الآخرون, لو كتبها باسم آخر لكان أفضل, متجاهلا ان هذه الشخصية (شلش) لم تخلق إلا لمناخ قصصي محدد المعالم يبدو أن العودة إليه ترف غير واقعي وغير ممكن نفسيا في هذه المرحلة, وعندما لم يجد سلواه في الإستمرار بهذا الشكل, توقف تماما, مقرا بموت شلش.
والآن ونحن نقرأ إعلانات يومية عن قرب عودة شلش الى كتابات مرة أخرى, فلا نملك إلا ان نتسائل عما سيكتبه شلش بعد كل تلك المحاولات التي تمخضت عن انقطاع سنتين, قد تبدو فكرة الكتابة عن مجتمع اللاجئين العراقي, وبالأخص المستعمرة الواقعة في السيدة زينب في سوريا, مشروعا مغريا لحاضنة أخرى قد تسري الروح في جسد شلش القصصي مرة أخرى, لا تنس ان شلش كاتب إجتماعي وليس سياسيا, و يمكنه ان يتنفس في هذه البيئة لو لم يعر اهتماما لما يحدث خارج الخلية الإنسانية التي يعرف دهاليزها جيدا و لو ركز مرة اخرى على حبكة المصادمة القديمة, على أية حال, لو كان الشخص الذي خلق شلش العراقي لا يزال حيا فعلا, وقرر ان يغامر بتجربة الكتابة الشلشية مرة أخرى, فنحن نأمل منه ان لا ينشر ما كتبه ان كانت الشخوص التي سيخلقها مشابهة ل(أم حسين) المتأخرة العكرة, إذ عندها لن يزيد شيئا ذات أهمية على ما تراثه, وكل ما سيفعله حينها هو الإساءة لتلك الكتابات العظيمة, خاصة بوجود تحد هائل يتطلب منه العودة الى مستواه القديم بعد عدة محاولات فاشلة, و هو أمر يعز علينا كعراقيين فخورين بتفرد هذا المنتج و أصالته.